قم بالتبديل إلى التطبيق

تبت يدا فيصل القاسم

أعرف أن هناك مفتونين كثيرين بفيصل القاسم الذين يأسرهم خطابه الرنان وكلامه الجهوري، وأعرف أيضا أن لفيصل القاسم لفيفا من المسترزقة الذين يسارعون عند كل سقطة من سقطاته إلى تبييض صورته بزعمهم أنه يمثل الإباء العربي الذي اختفى في زمن الخضوع والخنوع. وأعرف أيضا أنني سأكون عرضة للسباب من قبل شرذمة تخصّصت في فقه المؤامرة وافتكت أعلى أوسمة الخيانة نظير عملها في سوق النخاسة، وأعرف أيضا أن بعض الإعلاميين المصابين بعمى الألوان سيتحيزون إلى فيصل القاسم وسيشنعون علي وعلى أمثالي لأنهم يعتقدون أنهم المرجع ومصابيح الهدى وغيرهم قوم تبع على غير هدى.

هناك من برر تغريدات فيصل القاسم على التويتر المسيئة للجزائر على أنها وجهة نظر وأن هذا ديدنه في الاتجاه المعاكس، إنه يتكلم في نظرهم على لسان غيره مقلدا في ذلك ابن المقفع فيذكر الرأي والرأي المخالف فكل ما يقوله لا يعبر عن بنات أفكاره وإنما هي أفكار ينقلها نيابة عن هذا الفصيل أو ذاك. يمكن لعديمي الفكر وقصيري النظر أن يصدقوا هذه الخرافة ولكنها بالتأكيد لن تنطلي علينا لأننا نملك عقلا نحكم به على الأشياء ونوازن به بين الأقوال والأفعال.

إن لهجة فيصل القاسم المنحازة تعبر بكل تأكيد عن فلسفته في الحياة وعن رؤيته السياسية التي يحاول أن يواريها عن المشاهدين ما استطاع إلى ذلك سبيلا. إن فيصل القاسم في الاتجاه المعاكس لا يمثل الرأي المحايد كما يزعم بعض المفتونين به بل يمثل الرأي الغارق في الإمعية من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه. هذه للأسف هي حقيقة فيصل القاسم التي عمي عليها كثيرون وحرص آخرون على إخفائها بكل الوسائل المتاحة لأنهم يعلمون أن سقوط القناع عن وجه فيصل القاسم سيتبعه سقوط أقنعة كثيرة، تظاهرت بانحيازها إلى الشعوب المستضعفة –كما تدعي- ضد أوليغارشيا السلطة ومن تصفهم بأنهم أعداء الدين والوطن وليس هناك في الحقيقة أعدى منها لهذه الشعوب وللدين وللوطن.

ألم يأن للمفتونين بفيصل القاسم أن يحتكموا إلى نداء العقل والضمير وأن يدركوا أن ما يفعله فيصل القاسم شبيه بما فعله السامري، يحرض على الفتنة ويدعي بأنه قد نذر نفسه لخدمة القضايا الحيوية والمصيرية للأمة !!. ألم يأن لهؤلاء أن يعلموا أن فيصل القاسم مجرد ممثل على خشبة المسرح يخضع لتعليمات المخرج ويجسّدها على الركح شبرا بشبر وذراعا بذراع. هلا سأل المفتونون بفيصل القاسم من أي فصيل هو؟ هل هو من اليمينيين أم من اليساريين؟ هل هو من الوحدويين؟ هل هو من الإسلاميين؟. إن فيصل القاسم لا يتبع هذا الفصيل ولا ذاك، فهو ليس من اليمينيين لأنه يكفر بالأحزاب اليمينية وليس من اليساريين لأنه يكفر بالأحزاب اليسارية وليس من الوحدويين لأنه ينتمي فكريا إلى دعاة التقسيم تحت غطاء حق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر من ربقة حكامها، وليس من الإسلاميين لأنه ينتقد الأحزاب الإسلامية ويصفها بأنها سائرة في ركاب السلطة. إن فيصل القاسم ليس من هؤلاء ولا هؤلاء إنه وأمثاله يمثلون فيصلا آخر مختلفا تماما لا يعرف له أصل ولا فصل ولا تدرك له حقيقة فوحده التاريخ من يعري صفحتهم ويكشف حقيقتهم.

لقد تخصص فيصل القاسم في التهجم على الجزائر، تارة من بوابة الحراك الشعبي وتارة من بوابة النهج السياسي وتارة من بوابة التوجه الاقتصادي والدبلوماسي، ولو سئل فيصل القاسم عن شيء من ذلك لبهت الذي كفر، إن فيصل القاسم-كما سبرته – بارع في جمع قصاصات الجرائد التي هي مراجعه الأولى في الاتجاه المعاكس، قصاصات ليس لها قيمة علمية أو حجاجية ولا يثق بما فيها إلا إنسان عطل عقله وسفه نفسه.

لقد قرأت التغريدة الضرار لفيصل القاسم ضد الجزائر على التويتر الممزوجة بالتهكم والمكتوبة بلغة هجينة عربية وشامية يقول فيها: (نظام يتآمر مع إثيوبيا ضد مصر، نظام يتحالف مع إيران ضد العرب. نظام يعادي جاره العربي المغرب. ثم قال شو قال: يريد لمّ شمل العرب في قمة عربية، تركت زوجها مبطوح وراحت تداوي ممدوح. صب عمي صب). إنه منتهى الخبل أن يتهم فيصل القاسم الجزائر بالتآمر مع إثيوبيا ضد مصر، فما الفائدة الجيوسياسية التي تجنيها الجزائر من التحيز إلى إثيوبيا ضد مصر؟. ليس للجزائر حدود مع إثيوبيا أو مصر حتى تقف مع إحداهما ضد الأخرى فإثيوبيا ومصر كلاهما حليفان استراتيجيان للجزائر ضد التحالفات التي تستهدفهم جميعا وتستهدف إفريقيا بالدرجة الأولى. ليست الجزائر طرفا في أزمة المياه بين إثيوبيا ومصر وليس لها أطماع في النيل الأبيض والأزرق، إنها تقف على مسافة واحدة من إثيوبيا ومصر بحكم ما تمليه العلاقات الثنائية بين الدول وخاصة بين دول القارة السمراء.

ما هو دليلك يا فيصل القاسم على أن الجزائر تتحالف مع إيران ضد العرب؟ هل سجلت على الجزائر في تاريخها القديم والحديث تذبذبا في المواقف وتحالفا مع نظام الملالي في إيران ومع نظام الشاه قبله ضد العرب؟ هل قرأت في يوم من الأيام أن الجزائر خانت عروبتها وحادت عن خطها العربي؟ هل قرأت في يوم من الأيام أن الجزائر دعمت ثورات انفصالية برعاية إيرانية لزعزعة الأمن القومي العربي؟. إنني أنصحك يا فيصل القاسم أن تراجع شيطانك الذي أوحى إليك بهذه الخزعبلات قبل أن تضل وتزل وتتحوّل إلى أضحوكة وتفقد سمعتك ومصداقيتك الإعلامية

أإلى هذا الحد تستبد بك الغيرة يا فيصل القاسم كربات الحجال من احتضان الجزائر للقمة العربية فتحاول أن تستبق الحدث بهذا الرفث الذي لا يليق بمكانتك ويتنافى مع نبل الوظيفة الإعلامية وسمعة القناة الفضائية التي تنتسب إليها. كان أحرى بك يا فيصل القاسم أن تكون داعيا إلى الوحدة وداعما لمبادرة لمّ الشمل العربي وأنت الذي تباكيت كثيرا على التشتت العربي وتمنيت قيام مبادرة عربية واعدة تعيد للعرب مكانتهم المفقودة ووحدتهم المسلوبة.

لا قناة الجزيرة ولا قطر يتحمّلان جريرة فيصل القاسم المعروف بمداخلاته المعادية لهذا الفصيل أو ذاك مستخفيا بشعار الاتجاه المعاكس الذي يحاول أن يواري به سقطاته التي لا تقف عند حد ولم تعد خافية على أحد. إن فيصل القاسم سوري درزي -وليس في الانتساب إلى العرق ما يعاب- وعداوته لنظام دمشق ظاهرة غير مستترة وقد جعل منها بارومترا لتمييز نسبة الخيانة في الدم العربي كما زعم في كثير من مداخلاته، وفي هذا شطط كبير لا يليق بإعلامي كبير مثله لا يفري أحد فريه كما يقول عنه المتيمون به.

تهجم فيصل القاسم على الجزائر أياما معدودات على انعقاد القمة العربية يجعلنا نتساءل لصالح من يعمل فيصل القاسم؟ ومن يحركه ومن يوحي إليه؟ إن أصابع الاتهام موجهة بالدرجة الأولى إلى حلف التطبيع الذي لا يرضيه أن تحتضن الجزائر القمة العربية لأن الجزائر تسير في اتجاه معاكس لهذا الحلف وتتمسك بموقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني والداعم لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

إن الغاية من القمة العربية المقبلة في الجزائر هو لمّ الشمل العربي وهي رسالة من الجزائر إلى الكيان الصهيوني بأن ردة بعض العرب إن صحّ التعبير ظرفية وآنية وعودتهم إلى الصف العربي مأمولة إذا نجحت هذه القمة في معالجة أسباب التمزق داخل البيت العربي، وهذا الأمر يشكل مصدر قلق للمطبعين ومن لف لفهم وسار في ركابهم.

إن الجزائر تحاكي من خلال احتضانها للقمة العربية دور دريد بن الصمة في استنفار قومه ضد عدوهم حيث قال في لهفة: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا في ضحى الغد. إن الوضع الحالي صعب ولا مخرج منه إلا بتجمّع وإجماع عربي ينهي الفرقة ويعيد إحياء الوحدة العربية.